من عباقرة التلاوة القرآنية اللى صوتهم مرتبط فى الذاكرة بشكل كبير رغم عدم معايشتنا كلنا لزمنه؛ هو الشيخ "محمد رفعت".. قيثارة السماء وسيد القراء..
من عباقرة التلاوة القرآنية اللى صوتهم مرتبط فى الذاكرة بشكل كبير رغم عدم معايشتنا كلنا لزمنه؛ هو الشيخ "محمد رفعت".. قيثارة السماء وسيد القراء..
اتولد الشيخ "محمد رفعت" سنة 1882 فى واحد من الأحياء الشعبية فى القاهرة، ولحد سن سنتين كان بيشوف عادى جداً لكن أصيب بمرض أفقده بصره!.. والده دخلّه كُتاب مسجد فاضل باشا فى منطقة "درب الجماميز" فحفظ القرآن الكريم وهو عنده 5 سنين، ووالده إتوفى وهو عنده 9 سنين، وده إضطره إنه يشتغل وهو عنده 15 سنة عشان يصرف على أسرته!.. بس كانت حلاوة صوت الطفل "محمد رفعت" بدأت تلفت النظر..
تولى بشكل رسمى القراءة فى مسجد فاضل باشا بحي السيدة زينب سنة 1918 وبلغت شهرته ومحبة الناس ليه مساحة أكبر وأعمق..
لما تم افتتاح الإذاعة المصرية في 31 مايو سنة 1934، كان أول صوت إفتتحها هو الشيخ "محمد رفعت" بصوته العذب وسورة "الفتح" وقرأإ ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا﴾.. بعدها الإذاعة البريطانية "بى بى سى " طلبت منه يسجل القرآن بصوته، فبعت لهم سورة "مريم"..
شوية بشوية بعد كده تنافست إذاعات العالم الكبرى عليه زى: إذاعة برلين، ولندن، وباريس أثناء الحرب العالمية الثانية؛ عشان يقدروا يكسبوا عدد من المستمعين اللى بيبحوا صوته!..
من الحاجات المشهورة فى شخصيته إنه كان رحيم وعطوف مع كل المحتاجين اللى بيقصدوه.. فى مرة زار صديق له قبل ما يموت فصديقه قال له: (مين هيراعى بنتى بعد موتى؟).. فالجملة أثرت فى الشيخ "رفعت" وتانى يوم وهو بيصلى قرأ سورة الضحى وجه عند آية: ﴿فأما اليتيم فلا تقهر﴾؛ فأفتكر بنت صاحبه وبكى وخصص لها مبلغ شهرى لحد ما اتجوزت..
كل ما تدور كل ما هتسمع حكايات كتيرة عن مدى عشق الناس لصوت الشيخ "رفعت" وهتخلّى عندك ثقة ويقين إننا بنتكلم عن واحد من أفضل أصوات تلاوة القرآن اللى جت فى التاريخ..
كان فيه مصريين مسيحيين بيحبوا صوته وبيحبوا يسمعوه؛ منهم مثلاً سواق الترام اللى بيعدى جنب المسجد اللى بيقرأ فيه الشيخ "رفعت"، وحرصه إنه يركن الترام قصاد المسجد بدون ما يسأل فى الركاب ولا يعبرهم عشان بس يسمع الشيخ وهو بيتلو القرآن!..
كان بيت الشيخ "رفعت" عامل زى منتدى وقعدة ثقافية، أدبية، وفنية.. كان صديق شخصى ومقرب للموسيقار "محمد عبدالوهاب"، وهو اللى أطلق عليه لقب (الصوت الملائكي)، وكان "عبدالوهاب" مغرم بصوت الشيخ وبيقعد جنبه فى خشوع وهو بيقرأ، ودارت بينهم مناقشات كتيرة حوالين الموسيقى العالمية!..
بالمناسبة الشيخ درس علم القراءات والتفاسير، ودرس الموسيقى الرقيقة والمقامات الموسيقية، ودرس موسيقى" بتهوفن"، و" موزارات"..
كمان الفنانة "ليلى مراد" كانت بتروح تحضر جلسات القراءة بتاعت الشيخ مع والدها رغم إنها كانت يهودية الديانة وقتها!..
سنة1935 اتعرض عليه إنه يسافر الهند عشان يتلو القرآن هناك.. اعتذر عشان ماكنش مواعيده هتتناسب فهما افتكروا إنه اعترض بسبب الفلوس فزودوا الأجر لـ 45 ألف جنيه!.. وقتها رد رده المشهور: (أنا لا أبحث عن المال أبداً، فإن الدنيا كلها عرض زائل)..
أصيب سنة 1943 بسرطان الحنجرة، وتوقف عن قراءة القرآن الكريم.. وضعه المالى كان سىء جداً وقتاها برضه لأن اللى مش كتير يعرفوه إن الشيخ "محمد رفعت" ماكنش بيتكسب نهائى من قراءة القرآن وكان رافض المبدأ ده..
علاجه خلّاه هو وأسرته يصرفوا أغلب فلوسهم وحتى لما وصلت له تبرعات من دول مختلفة، وعروض من ملوك ورؤساء عرب عايزين يعالجوه علاجه رفض، وطلب إن يتم إيداع مبلغ كبير إتجمع من تبرعات محبيه في صندوق للزكاة، ومات بمرضه وماصرفش على علاجه مليم من تبرع خارجي.. وقال أثناء رفضه لفلوس التبرعات جملته المشهورة : (إن قارئ القرآن لا يهان)..
من المفارقات الغريبة إن الشيخ "محمد رفعت" توفى فى نفس يوم ميلاده 9 مايو بس سنة 1950!.. فى يوم وفاته فوجىء الناس إن "أم كلثوم" كانت من اللى بيبكوا عليه بحرقة ووجع وكأنه واحد من قرايبها.. بالمناسبة هى كانت متعودة دايماً تزوره فى مناسبات كتيرة وتحضر المناسبات الثقافية الفنية اللى كانت بتتعمل فى بيوت الأعيان وكان بيبقى من ضمن الحضور الشيخ "محمد رفعت"؛ لكنها فى أواخر أيامه قاطعته وكانت زعلانة منه ومن هنا جه استغراب الناس على حزنها بسبب وفاته!.. بس هو إيه أصلاً اللى كان مزعلها منه؟.. اللى حصل إن الشيخ "محمد رفعت" كان اختلف مع الإذاعة المصرية بسبب ترتيبات إدارية وكان نتيجة ده إنه انقطع عن التلاوة فى الإذاعة.. فيه بقى موظف فى الإذاعة المصرية راح قال لـ "أم كلثوم" إن الشيخ "رفعت" طلب من الإذاعة 3 أضعاف أجر "أم كلثوم" وإنه شايف إن أجرها أصلاً كبير ومبالغ فيه؛ فصدقت الست الكدبة دى وقاطعت الشيخ لكنها إكتشفت كذب الموظف قبل وفاة الشيخ بيوم واحد بس!.. من وقتها ولحد وفاتها هى كمان كانت "ام كلثوم" حريصة على زيارة قبره..
ربنا يرحم صاحب الحنجرة الذهبية الشيخ "محمد رفعت".
تعليقات
إرسال تعليق